فصل: بَابٌ مِنْ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا وَغَيْرِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ نَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ زَوْجَةٍ مَمْلُوكَةٍ وَغَيْرِهَا:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَأُعْتِقَتْ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ فَنَفَاهُ فَلَمْ يُلَاعِنْهَا حَتَّى اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَالْوَلَدُ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ)؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ قَدْ ثَبَتَ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ وَبِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ ثَابِتٌ مِنْهُ فَلَا يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ كَمَا لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا قَذَفَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللِّعَانِ قَطْعُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ انْقَطَعَ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ إيَّاهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ بِكَوْنِهِمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ حِينَ قَذَفَهَا فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ بِقَذْفٍ وَاحِدٍ.
قَالَ: رَجُلٌ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَهِيَ أَمَةٌ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَنَفَاهُ فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ بِهَذَا الْوَلَدِ حَصَلَ مِنْ فِرَاشِ النِّكَاحِ فَلَزِمَهُ نَسَبُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ وَصَارَ ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِالشِّرَاءِ كَارْتِفَاعِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُنَاكَ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ نَسَبُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ مَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِهِ فَوَجْهُهُ مَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: إنَّ النِّكَاحَ بِالشِّرَاءِ ارْتَفَعَ لَا إلَى عِدَّةٍ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَكَمَا يُنَافِي مِلْكُ الْيَمِينِ أَصْلَ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ يُنَافِي حُقُوقَهُ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ مِنْ مُدَّةٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَفِي الْكِتَابِ عَلَّلَ فَقَالَ: لِأَنَّهَا أَمَةٌ يَحِلُّ فَرْجُهَا بِالْمِلْكِ، وَحِلُّ فَرْجِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَعَ حَقِّ النِّكَاحِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي فِرَاشِ النِّكَاحِ، وَنَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِالدَّعْوَةِ.
وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يُنَافِي الْفِرَاشَ فَيَبْقَى بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ الْفِرَاشِ بِقَدْرِ مَا يُجَامِعُ مِلْكَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ بِالْمُنَافِي فَبِقَدْرِ الْمُنَافِي يَرْتَفِعُ وَمِلْكُ الْيَمِينِ إنَّمَا يُنَافِي الْفِرَاشَ الْمُلْزِمَ الْمُثْبِتَ لِلنَّسَبِ، فَإِنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ؛ وَلِلْمَوْلَى عَلَيْهَا فِرَاشٌ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْقَدْرُ هُنَا لَهُ قَالَ: فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا، وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا، وَإِنْ نَفَاهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ.
أَمَّا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ قَذَفَهَا، وَهِيَ فِي الْحَالِ مُحْصَنَةٌ، ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ مُوجِبًا الْعِدَّةَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِذَا أَعْتَقَهَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ ظُهُورِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ وَظَهَرَتْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا، وَالْمُعْتَدَّةُ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ وَلِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ قَدْرَ الْفِرَاشِ الَّذِي يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَاقٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَبِالْعِتْقِ زَالَ هَذَا الْفِرَاشُ، وَزَوَالُ الْفِرَاشِ بِالْعِتْقِ يُوجِبُ الْعِدَّةَ كَمَا فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ أَنَّهَا إذْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ أَعْتَقَهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَكِنَّ هَذَا الْفِرَاشَ أَثَرُ الدُّخُولِ الْحَاصِلِ فِي النِّكَاحِ لَا فِي الْمِلْكِ فَاعْتَبَرْنَا مُدَّةَ السَّنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالْفِرَاشِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ النِّكَاحَ ارْتَفَعَ بِالشِّرَاءِ لَا إلَى عِدَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُنَافِي حُقُوقَ النِّكَاحِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَلْزَمُهُ نَسَبُهُ فَبَعْدَ الْعِتْقِ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا بِالْعِتْقِ ازْدَادَتْ بُعْدًا مِنْهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَبْقَى بَعْدَهُ وَدَعْوَاهُ بَقَاءَ الْفِرَاشِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْفِرَاشِ مِنْ سَبَبٍ وَمِلْكُ الْيَمِينِ بِدُونِ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يُوجِبُ الْفِرَاشَ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ مَا لَمْ يَدَّعِ نَسَبَ الْوَلَدِ، وَفِرَاشُ النِّكَاحِ مِنْ حُقُوقِهِ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَهُوَ ابْنُهُ لِتَيَقُّنِنَا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ نَفَاهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ نَسَبُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، وَهَذَا وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ، وَإِنْ نَفَاهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ فِي حِجْرِهَا وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ وَالِدٌ فَلَا تَكُونُ مُحْصَنَةً، وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْهَا حِينَ اشْتَرَاهَا، وَلَكِنَّهُ بَاعَهَا، وَقَدْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فِي النِّكَاحِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِحُصُولِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ، وَأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ فَإِنَّمَا بَاعَ أُمَّ وَلَدٍ، وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ بَاطِلٌ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا فَإِنْ ادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَبَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْبِقْ النِّكَاحُ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتًا بِدَعْوَتِهِ فَعِنْدَ سَبْقِ النِّكَاحِ أَوْلَى، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ اشْتَرَاهَا؛ وَلِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ بَاعَهَا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ عَنْهَا كَزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُنَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَإِذَا ادَّعَى ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ، وَهُنَا قَدْ ثَبَتَ فِيهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِهِ إبْطَالًا لِلْبَيْعِ.
وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَاكَ حُكْمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ يَبْقَى إلَى سَنَتَيْنِ، وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ بِالْعِتْقِ لِظُهُورِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَذَلِكَ هُنَا يَبْقَى حُكْمُ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ، وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ انْتَقَضَ الْبَيْعُ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ هُنَا يَشْتَرِطُ الدَّعْوَةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْبَيْعِ دَلِيلُ النَّفْيِ، وَالْقَدْرُ الْبَاقِي مِنْ الْفِرَاشِ بَعْدَ الشِّرَاءِ مُثْبِتٌ لِلنَّسَبِ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ لِيَبْطُلَ بِهِ دَلِيلُ حُكْمِ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِدَلِيلِ النَّفْيِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ قَدْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا الْأَوَّلُ بَطَلَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي وَعِتْقُهُ لِتَيَقُّنِنَا بِأَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنَّ الْوَلَدَ كَانَ حُرًّا قَبْلَ بَيْعِهِ، وَإِنْ جَاءَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بَعْدَ الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ لِمَا بَعْدَ عِتْقِ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ فِيهِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ، وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ أُمَّهُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إعْتَاقَ الْأُمِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَمْ يَعْتِقْهَا سَوَاءً فِي حَقِّ الْوَلَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْخِلَافِ.
قَالَ: وَإِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ نَفَاهُ لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عُلُوقٍ بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْحِلَّ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا فَيَسْتَنِدُ الْعُلُوقُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ فِي الْحَالِ فَيُقْطَعُ النَّسَبُ عَنْهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا لَاعَنَ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ؛ أَمَّا اللِّعَانُ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا النَّسَبُ فَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مُنْذُ عِتْقِهَا حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ زَوَالِ الْفِرَاشِ إلَى عِدَّةٍ قَالَ: رَجُلٌ أَعْتَقَ أَمَةً وَلَهَا زَوْجٌ حُرٌّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ الْعِتْقِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَنَفَاهُ الزَّوْجُ لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَاعَنَ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ اللِّعَانِ حِينَ عَلِقَ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى الْأُمِّ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، أَمَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّهُ لَا نَسَبَ لَهُ فَهُوَ لِمَوْلَى الْأُمِّ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلِأَنَّهُ كَانَ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ أَعْتَقَتْ قَالَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وَهِيَ أَمَةٌ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ بِالْوَلَدِ فَإِنْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَالنَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ وَيُضْرَبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَنَسَبُ الْوَلَدِ ثَابِتٌ لِتَوَهُّمِ حُصُولِ الْعُلُوقِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ فِي حِينَ أُعْتِقَتْ فَصَارَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ، وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ فَجَاءَتْ بِالْوَلَدِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ، وَقَدْ أُعْتِقَتْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ فَالْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَبَيْنَ ارْتِفَاعِهِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يَعْقُبُ الْعِدَّةَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ، وَقَدْ وَلَدَتْ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَنَفَاهُ لَاعَنَ، وَلَزِمَ الْوَلَدُ أُمَّهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا أَخِيرًا أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ اشْتَرَاهَا فَنَفَاهُ لَاعَنَ وَلَزِمَ الْوَلَدُ أَبَاهُ؛ لِأَنَّهَا بِالشِّرَاءِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَبِالْعِتْقِ صَارَتْ مُحْصَنَةً فَإِذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ الْآخَرِ عَرَفْنَا أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى هَذَا النِّكَاحِ فَلَا يَنْقَطِعُ السَّبَبُ بِاللِّعَانِ، وَلَكِنْ يَجْرِي اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهَا مُحْصَنَةً فِي الْحَالِ، وَلَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ؛ فَإِنْ نَفَاهُ ضُرِبَ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا، وَهِيَ مُحْصَنَةٌ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً فَحُكْمُ النَّسَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَكِنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مِنْ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِهِ فَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ.
قَالَ: رَجُلٌ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ فَنَفَاهُ الْوَرَثَةُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَرِثْ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ، وَلَا فِرَاشَ قَائِمٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا حُبْلَى مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.
وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْوَرَثَةُ، وَإِقْرَارُهُمْ كَإِقْرَارِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُمْ خُلَفَاؤُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْخِلَافَ فِي الْمَنْكُوحَةِ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَكَذَلِكَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى كَافِرًا فَشَهَادَةُ الْكِتَابِيَّةِ فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا شَهَادَةُ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ تَقُومُ عَلَى حَقِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ النَّسَبَ يَلْزَمُهُ فَيُرَاعَى فِيهِ شَهَادَةُ شَرَائِطِهِ.

.بَابٌ مِنْ دَعْوَةِ الْبَائِعِ أَيْضًا وَغَيْرِهِ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ رَجُلٌ اشْتَرَى أَمَةً وَوَلَدَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ، ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَادَّعَى، وَلَدَهَا فَالدَّعْوَةُ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ الْوَلَدُ يَوْمَ يُدَّعَى فِي مِلْكِهِ)؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى نَسَبَ مَمْلُوكِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إلَى النَّسَبِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ شَيْءٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْعَقْدِ الَّذِي جَرَى فِيهِ وَفِي أُمِّهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَكَانَتْ دَعْوَتُهُ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحَبَلِ عِنْدَهُ بَطَلَتْ الْعُقُودُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْبُيُوعَ وَالْأَشْرِبَةَ كَانَتْ فِي أُمِّ وَلَدِهِ فَكَانَتْ بَاطِلَةً قَالَ رَجُلٌ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ تَوْأَمَيْنِ وُلِدَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا، ثُمَّ ادَّعَى نَسَبَهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا فِي مِلْكه فَيَصِحُّ دَعْوَةُ النَّسَبِ فِيهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا تَوْأَمٌ، وَلَكِنْ لَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ، وَأَحَدُهُمَا يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ فِي الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهُمَا الْمُشْتَرِي ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِي الْمُشْتَرِي وَقْتَ الدَّعْوَةِ وَاَلَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ يَبْقَى مَمْلُوكًا لَهُ كَمَا كَانَ؛ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدًا وَاشْتَرَى أَبُوهُ أَخَ ذَلِكَ الْعَبْدِ، وَهُمَا تَوْأَمٌ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فِي مِلْكِهِ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ فِيهِ، وَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثَبَتَ نَسَبُ الْآخَرِ ضَرُورَةً، وَيَعْتِقُ الَّذِي فِي يَدِ الْآخَرِ إنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلِأَنَّ الِابْنَ مَلَكَ أَخَاهُ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الْمُدَّعِيَ فَلِأَنَّ الْأَبَ مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، وَلَا ضَمَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ كَانَ بِسَبَبٍ مَقْصُودٍ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ إلَى صَاحِبِهِ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَدًا، فَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي صَحَّتْ دَعْوَتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِهَا حَتَّى يَنْفُذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَفِي وَلَدِهَا فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ عَتَقَ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَعَذَّرَ رَدُّهَا بِحُكْمِ الْخِيَارِ فَلِهَذَا سَقَطَ خِيَارُهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهَا، وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ فَالْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ جَدَّدَ الدَّعْوَةَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَأَنْقَضَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بَطَلَتْ دَعْوَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَلَا وَلَدَهَا وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ.
فَإِنْ (قِيلَ): أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فَلِمَاذَا لَا يَجْعَلُ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ مِثْلَهُ (قُلْنَا): ذَاكَ إنْ شَاءَ الْعِتْقَ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ تَمَامِ السَّبَبِ فِي الْمَحَلِّ لَا يَنْفُذُ بِاعْتِبَارِ مِلْكٍ يَحْدُثُ، وَهَذَا إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ كَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ، ثُمَّ أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَمَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَوَلَدَتَا عِنْدَهُ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُمَا مِنْهُ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الَّذِي تَنَاوَلَهُ الْبَيْعُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ دَعْوَتِهِ، وَلَكِنْ بِالْبَيْعِ تَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَيَتَبَيَّنُ بِاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي فَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ بَعْدَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَدِّهَا وَالْآنَ لَا يَمْلِكُ رَدَّ الْمُشْتَرَاةِ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَيَّتُهُمَا أَوْلَى حَتَّى مَاتَ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَعَلَيْهِمْ بِمَنْ مَاتَ أَصَابَ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ فَكَانَ بَيَانُهَا إلَيْهِمْ فَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي أَيَّتُهُمَا كَانَ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَنِصْفُ، وَلَدِهِمَا وَتَسْعَى كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَمِنْ وَلَدِهِمَا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَلَا إحْدَى الْأَمَتَيْنِ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيَسْعَ فِيهِمَا وَيَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ نِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَارِثٌ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ لِتَمَامِ عِلَّةِ الْخِلَافَةِ لَهُ فَاَلَّذِي قَالَ مِنْهُمْ أَوَّلًا هَذِهِ الَّتِي كَانَتْ اسْتَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي أَوَّلًا تَعَيَّنَتْ لِلِاسْتِيلَادِ وَوَجَبَ قِيمَتُهَا فِي التَّرِكَةِ، وَتَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلرَّدِّ وَتُرَدُّ هِيَ وَوَلَدُهَا إلَى الْبَائِعِ، وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِحَدِيثِ فَرْوَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ زَوَّجَ أَبِي عَبْدًا لَهُ يُقَالُ لَهُ كَيْسَانُ أَمَةً لَهُ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ، ثُمَّ مَاتَ أَبِي فَكَتَبَ إلَيَّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُوَافِيَ بِأَبِي الْمَوْسِمَ فَكُتِبَ إلَيْهِ أَنَّ أَبِي قَدْ مَاتَ فَكَتَبَ أَنْ ابْعَثُوا بِابْنِهِ إلَيَّ فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ فَقَالَ مَا يَقُولُ ابْنُ كَيْسَانَ فَقُلْتُ قَدْ ادَّعَاهُ أَبِي فَإِنْ كَانَ صَدَقَ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ كَانَ كَذَبَ فَقَدْ كَذَبَ فَقَالَ لَوْ قُلْتَ غَيْرَهَا لَأَوْجَعْتُك، وَأَعْتَقَهُ بِالدَّعْوَةِ، وَجَعَلَهُ ابْنَ الْعَبْدِ بِالْفِرَاشِ فِيمَا يَعْلَمُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ لِيُبَيِّنَ أَنَّ إقْرَارَ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِدَعْوَةِ الْأَبِ كَإِقْرَارِ الْأَبِ بِهِ فَكَذَلِكَ تَعْيِينُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ كَتَعْيِينِ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ.
قَالَ: مُكَاتَبٌ اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَمْ تَجُزْ دَعْوَتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ التَّحْرِيرِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ كَسْبِهِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الِابْنُ عَبْدًا لَمْ تَجُزْ دَعْوَةُ الْأَبِ فِيهِ لِهَذَا قَالَ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِشُهُودٍ فَجَاءَتْ بِوَلَدِ لِسِتَّةٍ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَإِنْ نَفَاهُ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ مَتَى يَثْبُتُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِاللِّعَانِ، وَلَا لِعَانَ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ، وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْعُلُوقَ سَبَقَ فِرَاشَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمَوْلَى اسْتَنَدَتْ إلَى حَالِ الْعُلُوقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى، وَكَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا، وَلَوْ كَانَ زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ مِنْ حُرٍّ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى صَدَّقَهُ الزَّوْجُ أَوْ كَذَّبَهُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ فِي فِرَاشِهِ وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْمَوْلَى بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَتَكُونُ أُمُّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ كَمَا أَقَرَّ الْوَلَدُ بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا، ثُمَّ بَاعَهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ النِّكَاحِ؛ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْبَيْعِ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي لَمْ يُصَدَّقَا عَلَى ذَلِكَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ، وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ النَّسَبِ إذَا لَمْ تَعْمَلْ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ الْعِتْقِ، وَإِقْرَارُ الْبَائِعِ بِالْعِتْقِ بَعْدَ الْبَيْعِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ عِنْدَ اتِّصَالِ الدُّخُولِ فِي حُكْمِ النَّسَبِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ دُونَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ هُنَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِفِرَاشِ النِّكَاحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ فَاسِدًا كَانَ النِّكَاحُ أَوْ جَائِزًا بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَقُ بِدَعْوَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِحُرِّيَّتِهِ.
وَكَذَلِكَ أُمُّ وَلَدِ رَجُلٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَادَّعَيَاهُ أَوْ نَفَيَاهُ أَوْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا، وَادَّعَاهُ الْآخَرُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَالْمَوْلَى فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ لِمَا لَهُ عَلَيْهَا مِنْ فِرَاشِ النِّكَاحِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.